نمط الحياة
تمودة وأسرار المور.. دموع الدفن ورضاعات طين وسهم في جمجمة
02/05/2024 - 11:52
عبد الرحيم السموكني | حمزة بامويرى المختصون فيها إحدى المدن التي حافظت على النسق الموري رغم تدمير الرومان لها، فهي ليست حصنا وقاهم من هجمات المقاومين المور الرافضين لاحتلال أرضهم، بل هي خزان تاريخي لأسرار حياة المغاربة القدامى، بعض معالم هاته الأسرار محفوظة إلى اليوم في المتحف الأثري بتطوان.
فعلى بعد 6 كيلومترات من قلب مدينة تطوان يقع موقع تمودة الأثري، مدينة مورية، نسبة إلى موريطانيا الطنجية، قائمة الذات، بقصور ومتاجر وشواع رئيسية وحمامات، ونظام لسك النقود، تطل على وادي مارتيل، وتحفها جبال الريف الشهيرة.
يقول أمين عنقودة محافظ الموقع الأثري لتمودة، إن المدينة شكلت لغزا تاريخيا في بداية القرن العشرين، قبل أن يتمكن الباحث الإسباني سيزار لويس دي مونطالبان من تحديد مكانها سنة 1921. لتبدأ الحفريات على يد باحثين مغاربة وإسبان في كشف أسرارها.
أسرار أجدادنا المور
يحتفظ متحف الآثار في تطوان بلقى ثمينة وجدت في موقع تمودة، تكشف عن نمط حياة السكان وسلوكات "عبقرية" في تلك الحقبة، تترجمها أدوات عثر عليها في الموقع، كرضاعة خزفية على شكل إوزة، كان يستعملها المور لإرضاع الأطفال.
كما نجد أسطوانات صغيرة صنعت من الزجاج، تشبه إلى حد كبير المكحلة، لكنها كانت تستعمل لجمع دموع أهل الميت لتدفن معه.
في الموقع عثر أيضا على نقود سكت محليا، تقول نادية البحار مسؤولة متحف الآثار بتطوان وهي تتجول في الطابق المخصص لموقع تمودة، إن موريطانيا الطنجية كانت تعرف نظاما أشبه بالفدرالي، لكل مدينة نظام حكم ذاتي، وعملتها المحلية، قابلة للصرف في باقي المدن الموريطانية، لكن كل النقود كانت تتوحد في تضمنها لاسم ملك المور الذي عاصر كل حقبة.
يحتفظ المتحف أيضا بجمجمة مخترقة بسهم، تشير إلى مرحلة الغزو والمقاومة التي كانت شرسة من طرف المور المغاربة ضد الرومان.
لكن أكثر اللقى في المدينة التاريخية تتجلى في أمفورات، وهي جرات طينية، من ثلاثة أنواع، تستعمل للتخزين وكأداة لنقل الزيت والنبيذ والإيغور، وهو خليط زيت السمك.
كما توضح البحار لـSNRTnews أن اللقى أيضا ضمت أواني خزفية إيبيرية وأخرى يونانية، ما يعني أن المدينة عرفت نشاطا تجاريا وتبادلا مع بلدان البحر الأبيض المتوسط.
تمودة .. المستنقع وأصل التسمية
يجمع المختصون أن أصل تسمية "تمودة" أمازيغي محور عن كلمة تامدا، وهو ما يعني المستنقع المتصل بمجرى النهر، ويبقى أول ذكر لاسم المدينة على ظهر النقود البرونزية التي سكت محليا، وكتبت بالكتابة البونية الجدية خلال القرن الأول قبل الميلاد، وفي القرن الأول للميلاد أورد بليني الأكبر في كتابه التاريخ الطبيعي إشارة مقتضبة عن وادي تمودة وعن مدينة تحمل الاسم نفسه.
ونقرأ في أوراق تعريفية للموقع، توفرها محافظة الموقع الأثري لتمودة، أن الجغرافيان بومبونيوس ميلا (القرن الأول للميلاد) وبطليموس (لقرن الثاني للميلاد) يخصان بالذكر وادي تمودة فقط دون التعرض بالإشارة إلى المدينة، والتي لم يعد لها وجود في زمنهما بعدما دمرت في منتصف القرن الأول للميلاد.
خلال القرون اللاحقة، وخاصة القرن الخامس للميلاد، يورد نص "نوتيسيا دينيتاتيوم" وهو مصنف لكبار الشخصيات المدنية والعسكرية بالإمبراطورية الرومانية، أن من بين فرق جيش الحدود الرومانية التي كانت ترابط بموريطانيا الطنجية، فرقة الأجنحة الهرقلية والتي كانت تتمركز في حصن تموكو، أي حصن تمودة الحالي.
مكنت الحفريات من الكشف عن بقايا تعود لحقبتين تاريخيتين: العصر الموري حيث كانت تبلغ المساحة التقريبية للمدينة المورية حوالي 5 هكتارات، وكذا الحقبة الرومانية، تعرضت المدينة المورية لعمليتي تدمير خلال القرن الأخير من وجودها، كان الأول حوالي سنة 38 قبل الميلاد، فيما تم التدمير الثاني والنهائي حوالي السنة 40 للميلاد، وتم هجرها بشكل نهائي.
شيد الجيش الروماني فوق جزء من أنقاض المدينة المورية حصنا رومانيا يرجع المختصون تاريخ بنائه إلى منتصف القرن الأول الميلادي، مسجلا أن الحصن الذي يضم مركزا للقيادة وحمامات رومانية وشوارع سكنية للجنود، كان يتوفر على أربعة أبواب تطل كل واحدة منها على الجهات الأصلية، وكان محميا بواسطة نظام دفاعي وعشرين برجا مربعة الشكل.
تبلغ المساحة التقريبية للمدينة المورية حوالي 5 هكتارات، وعرفت مدينة تمودة تنظيما عمرانيا محكما، ينسجم والمعايير العمرانية المتعارف عليها في تلك الحقبة.
يعكس النسيج العمراني لمدينة تمودة الخصائص المميزة للمدينة، مووفق عنقودة، فإن هذا الأمر يفيد بأن المغرب القديم عرف التمدن بزقت طويل قبل وصول الرومان.
إذ أن قرب المدينة من البحر ساهم في انفتاحها على المبادلات التجارية مع شبه الجزيرة الإيبيرية ومدن ودول البحر الأبيض المتوسط.
مقالات ذات صلة
نمط الحياة
مجتمع
مجتمع
نمط الحياة